إذا اعتبرنا أن النمو والنفوذ مقياس لقطاع ناجح، فإن القليل هم من يسعون لتبوأ مكانة أعلى من خلال ممارسة الاستشارات الإدارية. ففي عام 1980 قُدرت عائدات قطاع الاستشارات بنحو 3 مليارات دولار (Kennedy Information 2002) وبحلول عام 2008 بلغ هذا الرقم نحو 330 مليار دولار أي بزيادة قدرها نحو 10,000% في أقل من ثلاثين سنة (Kennedy Information 2009). والأهم من ذلك هو تأثير القطاع الاستشاري على المجتمع. وهذا لا يهم الخريجون فقط الذي يضعون الخدمات الاستشارية نُصب أعينهم على أنها الخيار الأول لحياتهم العملية (Chung et al. 2008)، أو الشركات التى تقوم بالإنفاق على الاستشاريين من خلال مشاريع الاستعانة بمصادر خارجية أو مشاريع تطوير تكنولوجيا المعلومات بمئات المليارات من الدولارات. وقد كان للاستشارات أثرًا على كل فرد منا بدءًا من الكيانات الحكومية وتوفير التعليم إلى اللغة التي نستخدمها والطريقة التي نفكر بها في العالم من حولنا.
إن كان البيان الوارد أعلاه لا يبدو منطقيا لكم فعليكم ألا تعتقدوا ذلك. ففي العقد الأخير زاد أثر الاستشاريون في الإدارة أو الحكمة الفعلية لدول العالم الغربي بشكل مطّرد. ومع زيادة الإنفاق الحكومي بنسبة 1.00 بالمائة في السنوات العشر الأخيرة (IPSOS/MORI 2007) فقد وطدَّ الاستشاريون علاقات وثيقة مع أعضاء مجلس الشيوخ والوزراء وكبار الموظفين العموميين في محاولة للتأثير على الأجندات السياسية وخطط الإنفاق (Craig and Brooks 2006) وقد كلفت المشاريع الناجمة عن
التطوير والأعمال التجارية الإلكترونية وإدارة القطاع العام الجديدة الحكومات مئات المليارات بمستويات متفاوتة من النجاح (Saint-Martin 2004).
ومن النتائج الواضحة لهذا النجاح الهيمنة المتنامية على الممارسات والخطابات الإدارية في مجالات كانت محصنة في السابق بدءا من قطاعات مثل التعلىم، والجمعيات الخيرية، وقطاع الموسيقى، والصحة إلى اقتصاديات كاملة في العالم النامي. وقد دفع هذا التأثير “الاستعماري” العديد من الباحثين إلى استخدام مصطلح الاستشاريين “المبشرين” (Wright and Kitay 2004) بيد أن هذا لا يتعلق بأمور دينية ولكن الغرض منه هو تنشيط الشركات أثناء محاولاتهم لتغيير ممارسات الإدارة البائدة.
وإمكانية إثبات أثر القطاع الاستشاري أيضا في الانتشار الملحوظ للابتكارات الإدارية التي تم ابتكارها ونشرها من العمليات الاستشارية والخبراء الاستشاريين والتي تصل إلى مئات الآلاف من المفاهيم التي تستخدمها المؤسسات في جميع أنحاء العالم. ويشمل ذلك إدارة الجودة الشاملة، وإعادة هندسة العمليات التجارية، والكفاءات الأساسية و مصفوفة حصة النمو ونظام McKinsey 7S Framework الإداري، وكما نبين في الباب الثامن لاحقاً، فإن الفائدة الفعلىة لتلك المفاهيم قد تُعد نقاط خلافية ولكن لا يمكن إنكار أثرها على العملاء أو موظفيهم أو المجتمع ككل.